-->

القتلة في مكان آخر

الاعلامية / غادة محمد – مكتب سلطنة عمان-في ثمانينيات القرن المنصرم كان خطيب الجمعة في المنطقة التي كنت أسكن فيها -آنذاك- يختم خطبته بهذا الدعاء: ” اللهم عليك بالشيوعيين ومن شايعهم، والنصارى ومن ناصرهم، واليهود ومن هاودهم. اللهم شتت شملهم، وزلزل الأرض تحت أقدامهم ودمرهم تدميرا، وأجعل أموالهم غنيمة للمسلمين”. في تلك الفترة كانت الحرب الدموية بين العراق وإيران (1980-1988) على أشدها، وكانت الحملات الإعلامية بين الطرفين بلغت ذروتها، ودخل التأجيج القومي والطائفي طرفا فيه، ولكن، مع ذلك، لم تحدث أية اضطرابات مذهبية في العالم الإسلامي سوى بعض التفجيرات المحدودة في باكستان، ولم تختتم صلوات الجمعة والعيدين بالدعاء على الشيعة كما يحدث اليوم، وإنما كانت تكتفي بالدعاء على الشيوعيين والنصارى واليهود فقط (وهي مدانةٌ طبعاً). فما الذي تغير الآن؟ ما الذي حدث للمسلمين حتى يندفعوا بهذا الشكل الجنوني إلى قتل بعضهم بعضا؟ حتى أصبح المسلم لا يأمن على نفسه في بيوت الله.

قبل أن ندخل في الموضوع ينبغي الإشارة إلى أن كثيرا من الفلاسفة والمفكرين يقولون إن الأصل في الإنسان هو التعصب، أما التسامح فهو حالة استثنائية تحدث غالبا من أجل مصلحة وقتية فقط، تنتهي مع الانتهاء منها. والكائن الديني ليس استثناءً من هذه القاعدة، إذ أنه يعتقد أنه وحده الذي يمتلك الحقيقة المطلقة فقط، أما البقية فهم ضُلّالٌ ويستحقون العقاب الأخروي. ينقل المفكر السوري هاشم صالح في كتابه: (معضلة الأصولية الإسلامية) عن الفيلسوف الألماني بول ريكور في مقال له تحت عنوان (الحالة الراهنة للتفكير حول التعصب) قوله: “إن التعصب يعبر عن ميلٍ طبيعي موجود لدى جميع الكائنات البشرية. فكل شخص أو فئة وجماعة، تحب أن تفرض عقائدها وقناعاتها على الآخرين، وهي تفعل ذلك عادة إذا ما امتلكت القوة أو السلطة الضرورية. وبالتالي فالتعصب يعني أولا تسفيه عقائد الآخرين وقناعاتهم أو احتقارها؛ وهو يعني ثانيا منع الآخرين بالقوة من التعبير عنها”. ويقول المفكر المغربي محمد الطالبي: إن الإنسان بطبيعته كائن متعصب، ولكنه يصبح متسامحا بالضرورة أولا ثم عن طريق الذكاء والعقل ثانيا، فهو مضطر للعيش في المجتمع والتعامل مع الآخرين يوميا، وبالتالي فلا بد من تدجين مشاعره العدوانية لأنه لا يستطيع أن يعيش في حالة حرب كل يوم.

ومن يقرأ تاريخ الأديان يجد إنه مليء بالمذابح وجرائم القتل التي سودت تاريخ البشرية، فقد عاشت أوروبا حرباً طائفية طويلة بين الكاثوليك والبروتستانت وذهب ضحيتها مئات الآلاف من الطرفين، ولعل مذبحة سانت بارتيليمي من أشهر فصولها، حيث تم دعوة زعماء البروتستانت إلى باريس من مختلف الأقاليم لحضور حفل زفاف في القصر الملكي، وفي منتصف الليل وبينما كان القوم غارقين في النوم انقض عليهم الجنود الكاثوليك بأسلحتهم ومزقوهم إربا، ولكن القصة لم تنتهِ هنا، فلم يَكَد الكاثوليك في باريس يعلموا بأمر المذبحة حتى انقضّوا بدورهم على البروتستانت، وكانت النتيجة مقتل أكثر من ثلاثة ألاف من هذه الطائفة في ثلاثة أيام فقط، وبعد انتهاء المذبحة قام رجل الدين الأصولي بوسويه بإرسال برقية تهنئة إلى ملك فرنسا لويس

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: