-->

الخط الكوني.. إضافة جديدة من إبداعات العقل العربي



الاعلامية مي مراد

بيروت – لبنان

عبدالرحمن هاشم
11125380_829193660449831_692363489_nنظمت مؤسسة “أراك” للفنون والثقافة برئاسة د. أشرف رضا أمسية فنية استضافت خلالها الفنان العالمي د. أحمد مصطفى المصور والباحث في علم القلم وصاحب موسوعة ” الخط الكوني”، مساء الثلاثاء الماضي بقاعة الندوات بمكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، وحضرها ياسر عثمان مدير المكتبة ولفيف من الفنانين والمهتمين بالخط العربي. سلطت الندوة الضوء على تجربة الفنان العالمي ومشواره المتميز في فن الخط العربي، ورؤيته لواقع هذا الفن ومستقبله. وتحدث د. أشرف رضا مدير مؤسسة “أراك” عن الفنان العالمي أحمد مصطفى فقال: في عام 1966 تخرج أحمد مصطفى في الفنون الجميلة جامعة الاسكندرية بتقدير امتياز وحصل على جائزة عيد العلم من الرئيس جمال عبد الناصر في العام نفسه.
عمل محاضراً بالكلية لفن التصوير والتصميم، وتعلم في البداية فنون التصوير وفقاً للتقاليد الكلاسيكية الأوروبية الحديثة وكان يستمد إلهامه أساساً من فناني عصر النهضة حتى اكتشف جذوره الإسلامية وخص كل أعماله الفنية بتكوينات مجردة تستند معظمها إلى آيات من القرآن الكريم واستطاع أن يبدع لغة بصرية غنية رائعة بفضل الجمع بين مهارات المصور وفنان الخط العربي. وفي عام 1973 فاز بمنحة دراسية لمواصلة الدراسات العليا في التصميمات المطبوعة من الكلية المركزية للفن والتصوير بانجلترا، وحصل على دبلوم عالي التخصص في الدراسات الطباعية المتطورة في عام 1975.
وفي عام 1978 حصل على الماجستير وعمل محاضراً في مادة الخط الإسلامي بداية من عام 1988 بجانب إشرافه على الدراسات العليا في تصميم أنماط مبتكرة للحروف العربية. وفي عام 1989 وبعد بحوث مضنية طيلة 11 عاماً حصل على درجة الدكتوراه من المجلس القومي البريطاني عن دراسته “الأساس العلمي لأشكال الحروف العربية”، تلك الدراسة التي أعدها بالتعاون مع المتحف البريطاني حيث أدى هذا البحث المتميز إلى كشف النقاب عن القوانين التي يقوم عليها الخط العربي المنسوب الذي طبعه في القرن التاسع الميلادي الوزير العباسي والمهندس الكاتب ابن مقلة.
كما أدى هذا الكشف إلى إظهار المبادىء الهندسية التي يستند إليها التوافق البصري في جميع أشكال تطبيقات الفن والعمارة الإسلامية. وفي عام 1997 قررت الملكة إليزابيث الثانية ملكة انجلترا إهداء لوحته التي أبدعها بتكليف خاص بعنوان “حين يلتقي المحراب” إلى شعب باكستان بمناسبة مرور 50 عاماً على إنشاء دولة باكستان. وكانت بداية شهرته العالمية حين قدمته الملكة في بريطانيا في معرض “تقاليد الاحترام.. بريطانيا والفن الإسلامي”. وبذات الفكرة أي فكرة إقامة الجسور بين الشعوب عن طريق الفن أقيم معرض بأعماله في الجامعة البابوية ليصبح أول فنان مسلم يقيم معرضاً في الفاتيكان. يدير حالياً مركز الفن والتصميم العربي بلندن وقد أنشأه عام 1983. وتعرض حالياً أعماله في كثير من المنظمات الدولية وعديد من المتاحف الفنية الكبرى باسكتلاندا ولندن واكسفورد والأسكندرية ومعظم البلدان العربية وجنوب أفريقيا والولايلات المتحدة الأمريكية.
وتحدث الناقد أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة د. رضا عبد السلام فقال: عندما رأيت موسوعة الخط المنسوب أو الخط الكوني تيقنت أنني أمام إبداع جديد في مجال الخط العربي أضاف إليه الجانب الوجداني الأمر الذي يضع الفنان أحمد مصطفى في زمرة الفنانين المتصوفة. يعرج بنا الفنان أحمد مصطفى في رحلة روحية وجدانية عبر المصادر والأصول الأولى للغة الكلام ليعلمنا قواعد النسب التشريحية للحروف العربية وبنائها الرياضي الهندسي متتبعاً في ذلك الأصول التي أقامت الخط المنسوب الذي أطلق عليه الخط الكوني، الذي اكتشفه ابن مقلة شارحاً ومحللاً تركيب النقطة التي تتجسد وتتحرك على أرضيات هندسية صرفة كمعيار أساسي لقياس كل حرف من حروف الأبجدية. ويصدق في موسوعته قول القائل: “وملأت روحي منك حتى لم يعد.. مني لروحي موضعاً ومكانا”.
وبدأ الفنان العالمي د. أحمد مصطفى محاضرته بالثناء على الله والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذه الموسوعة خرجت إلى النور بعد عشر سنوات من العمل المضني في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن. ولنا أن نعرف أن الغاية الموكولة بالعملية الإبداعية في اعتقادات معظم الحضارات الإنسانية الكبرى من المصرية القديمة واليونانية والآشورية والبابلية وصولاً إلى حضارة الإسلام ترى في العمل الإبداعي مكنوزاً شفائياً يعين الإنسان في مسعاه نحو التقرب لخالقه بالدرجة الأولى. والإنسان بدوره في سعيه هذا يلزمه قدراً من المعارف التي تحيطه علماً بديمومة السنن الكونية التي تصيغ القوانين الأزلية الثابتة في دورة الحياة.. هذه القوانين الثابتة في الحياة بجميع مظاهرها وتنوع طبقاتها هي ما نسميه “المعرفة الجوهرية”، التي تستهدفها روح الإنسان وعقله وهو يبحث عن إجابات شافية للتساؤلات التي تلح عليه في جميع مراحل نضجه الفكري: من أين أتى؟ ولماذا أتى؟ وإلى أي مصير سينتهي؟ ثم ما المعنى الموكول لكل ذلك؟ وبالنظر إلى حضارة الإسلام باعتباره آخر الحضارات الكبرى التي تستهدف المعرفة الأزلية نجد أنفسنا أمام سؤالين مهمين: ـ ما الذي يجعل فن الإسلام إسلامياً؟ ـ لماذا مثلت الكتابة فن الإسلام الأول؟ في الواقع لم يصدر أي كتاب يجيب على هذين السؤالين ولكن بحمد لله توصلنا إلى الإجابة بعد جهد متضاعف أعاننا الله عليه.
قد يتساءل البعض: هل أشار الحق سبحانه وتعالى في تنزيله إلى أهمية العملية الإبداعية؟ والإجابة على ذلك أن الحق ذكر ذلك بشكل صريح ولكن دون ذكر كلمة “فن” فقال سبحانه: ” أن اعمل سابغات وقدر في السرد”. فتحقيق عمل سابغ يعني الوصول إلى قمة العملية الإبداعية بما يعني مواكبة الشكل للمضمون. حتى علماء الجماليات في الغرب عندما أرادوا أن يصطلحوا على ماهية العمل الفني قالوا إنه مواكبة الشكل للمضمون. ولكن الإضافة الأخرى “وقدر في السرد” تعني المعرفة الهندسية لأن التقدير في السرد لا يتم إلا بتلك المعرفة التي تجعل المبدع يقسم تصوره الإبداعي إلى مراحل وفي كل مرحلة تجد الحلقة التي تربطها بالمرحلة السابقة والمرحلة اللاحقة بما يمثل مقداراً ثابتاً. المبدع المسلم وجد نفسه أمام مضمون منحة من الله وهداية لكن بقي التحدي وهو من أين يأتي بالشكل الذي يواكب هذا المضمون؟ عمل المسلمون لأكثر من 300 سنة حتى يتعلمون الهندسة وفي ذلك تحقيق لقوله تعالى : “حتى إذا بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلما”.
تحقق ابن مقلة من المنطق الهندسي ووقعه على اللغة والشعر والعمارة والفرش والموسيقى فطبقه على الخط، وعندما سئل أبو حيان التوحيدي عن كتاب ابن مقلة بالذات أجاب: “هذا نبي الكتابة.. لقد أوحي إليه كما أوحى الله إلى النحل بتسديس بيوتها”. ويتضح بعد ذلك أن المجاز الذي استخدمه أبو حيان التوحيدي في إطرائه على ابن مقلة استخدمه كعالم بطبيعة الخط المنسوب وأن الهيئة السداسية تمثل محوراً أساسياً للحروف. إننا أمام خطوط محققة استندت إلى نظرية التحقيق التي وضع من أجلها الخط المنسوب. أراد الله سبحانه وتعالى أن يوجه أميتي في هذا الشأن توجيهاً لا دخل لي فيه. الحروف الـ 28 تندرج تحت 19 هيئة ولام ألف هيئة من هيئات هذه الحروف ولها خصوصية عالية المقام لأن شهادة المسلم تبدأ بـ “لا إله إلا الله”. حفظ لنا التاريخ نظرية ابن مقلة حول الخط المنسوب في صورة أمشاط، ومن يريد أن يتعلم صنعة الكتابة عليه أن يضاهي هذه الأمشاط مضاهاة عمياء.. لا يسأل (لماذا؟). ظلت هذه النظرية مفتقدة في عالم الأحياء طيلة 1000 عام، وعمل على إحيائها باحثون في الشرق وفي الغرب لمدة 250 سنة ولم يقطعوا فيها بشيء.
والحمد لله أن حفظ لنا نظرية ابن مقلة فقد أحرق التتار انتاجه الغزير ودمروا كل شيء في حريق بغداد لكن تلاميذ ابن مقلة استطاعوا أن يطبقوا نظريته في أعمال تشهد على فحوى أو مضمون نظريته دون التعليق عليها في نص مكتوب. يبدأ ابن مقلة فيقول: هندسة الحروف.. الألف شكله مركب من خط منفصل مستقيم تكون حركة صدره وعجزه متساويتان.. قال بعضهم إن الألف هي قاعدة الحروف المفردة وهي متفرعة منها ومنسوبة إليها، ومساحتها في الطول سبع نقاط والنقطة مربعة وابتداؤها بنقطة وانتهاؤها بشرطة.الدال: شكل مركب من خطين ممتد ومنتصب ومجموعها يساوي الألف ومساحتها أن تصل طرفيها بالخط فيكون مثلثاً متساوي الأضلاع. الراء: شكل مركب من خط مقوس هو ربع الدائرة التي قطرها الألف في سنة مقدرة. والسنة تعني القانون والمقدار..
وهذه هي إحدى الطلاسم التي وقفت عثرة أمام كل الباحثين، في الشرق والغرب سواء، حتى فتح الله علينا وكشفها لنا والحمد لله. تعرفت على هذه المخطوطة التي بنيت عليها بحثي وهي بعنوان “تصاوير الأحرف طريقة الأستاذ الكبير أستاذ هذه الصناعة وبركة الجماعة علي بن البواب سامحه ذو الجلال”. الغريب في هذه المخطوطة هو وجود أشكال هندسية على الحروف.. من أين تأتي هذه الأشكال الهندسية وما المراد بها؟ يقول الشيخ محي الدين بن العربي: بين التذلل والتدلل نقطة فيها يتيه العالم النحرير هي نقطة الأكوان إن جاورتها كنت الحكيم وعلمك الإكسير فصندوق الفضاء أو الفضاء المحيط بالنقطة لابد أن يكون حيز مساحته تساوي مساحة النقطة وإلا تطمس النقطة. الجوهر الهندسي للألف سبع نقط وخط الجاذبية لهذا الخط هو الذي يفصل بين صدرها وعجزها.. هذا الألف ليس متعامداً بل منتصب كالعمود الفقري للإنسان. والشكل الهندسي المكعب هو أبو الكتل المنتظمة جميعاً.. حقيقة كونية، ولنا أن نعلم ارتباط المكعب بالشكل السداسي إذ يعد الأخير هو الحجم الخارجي للمكعب. بحمد الله أصبح الآن عندنا منهجاً علمياً متكاملاً نستطيع أن نستند إليه في جميع تطبيقاتنا في هذا الفن الكوني البديع. فالنسب المودعة في الحروف نسب كونية والخط العربي قادر على الإفصاح عن معنى التوحيد.

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: