-->

الأطفال وظاهرة التسول

 تبارك عبد المجيد

وكالة نقطة ضوء الإخبارية. 



ندى.. واحدة ضمن شريحة المتسولات تحلم بالقراءة والكتابة"اتمنى ان استطيع الكتابة والقراءة"، هذه كانت امنية الصبية ندى، التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما، الامنية التي هي  حق كفله الدستور والقانون وجميع المواثيق الانسانية، لكن ندى تقول انها لم تستطع الدخول للمدرسة وممارسة حقها في التعليم واللعب مع اقرانها في ساحات المدرسة كباقي الأطفال، بسبب الظروف التي وجدت نفسها بها والمسؤولية التي وضعت على عاتقها والتي شكلت حاجزا بينها وبين حلمها "البسيط".

ندى نازحة منذ عام  2014 من مدينة الموصل التي سيطر عليها تنظيم "داعش" الارهابي، قتل على اثرها والدها، وهي بعمر السادسة انذاك، فضلا عن فقدانها بيتها وملجأها وشعورها بالأمان .

ندى تسكن الأن في احدى المناطق الشعبية في بغداد مع امها المريضة واخويها الاصغر سننا.

 تمتهن  "التسول" مع اخويها منذ اكثر من ثلاث سنوات حيث لم تجد وسيلة اخرى تستطيع بها سد قيمة ايجار البيت الذي تسكن فيه والذي يبلغ (15) الف دينار يوميا، وكذلك دفع تكاليف علاج والدتها وتوفير قوتهم اليومي .

ندى لاتختلف عن العديد من الاطفال  الذين يملئ وجوههم الطفولية غبار الشارع، والذين هم ضحايا لصراعات سياسية وفساد متجذر، اخذوا من التسول مهنة وعادة يمارسونها .


أسباب انتشار  ظاهرة اطفال الشوارع ؟

أن الواقع الصعب اجبر العديد من العائلات النازحة على ارسال اطفالهم الى الشارع لكسب لقمة العيش بكل الطرق الممكنة مثل بيع اشياء بسيطة او التسول في التقاطعات كما اصبحت العاصمة بغداد واجهة للعديد من الاطفال حيث يبلغ عددهم  700_800 طفل, يتواجد في التقاطع الواحد بين 10_5 طفل، بحسب إحصاء اجراه مستشار المرصد العراقي لحقوق الانسان(IOHR)، ويؤشر الى انه بعد احداث 2014 ازدادت نسبة اطفال الشوارع بسبب النزوح الكثير للعوائل من مناطق النزاع، الذي خلفت اعداد كبيرة من الشهداء والقتلى وفقدان العوائل لمعيلها او العجز بسبب الاعاقات المكتسبة من الحروب .

تقرير للامم المتحدة صدر في 19 يناير 2018، اشار ايضا الى ان "الفقر والنزاع تسببا في انقطاع العملية التعليمية لثلاثة ملايين طفل في انحاء العراق".

 كما ان ازدياد حالات الطلاق وتشتت الاطفال بين الاب والام  له اثر ملحوظ في تولد ظاهرة تسول الاطفال حيث بلغت نسبة الطلاق في عام 2017 حسب الاحصائيات التي ينشرها القضاء الاعلى العراقي لحالات الزواج والطلاق الى 5191 حالة طلاق،  بالاضافة الى كثرة اعداد الشباب العاطلين عن العمل، وعدم قدرة الاسر على توفير مستلزمات ابنائها الاساسية من مأكل ومشرب ومكان اقامة وعلاج، كل هذا جعل اهالي الاطفال يستقرأون الواقع حسب مايناسبهم ويختصروا الطريق ويخرجوا ابنائهم من المدارس وجعلهم يعملون. وهذا ما أكده الناطق بأسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عمار منعم بقوله: ان "الوزارة تواجه العديد من التحديات المتعلقة بملف اطفال الشوارع اهمها ان ذويهم يرفضون محاولاتنا للتدخل او مساعدتهم بسبب حصولهم على مردودات مالية لابأس بها من عملهم وخاصة ان هناك شبكات منظمة وخارجة عن القانون تدير ملف عمل الاطفال وتسولهم ".

كما اضافت الناشطة المدنية ضي مضرعلى ان الفقر والعازة وقلة فرص العمل وانتشار الجهل والادمان وماتخلفه  الحروب من مشاكل اجتماعية اضافه الى الازمات التي يعيشها المجتمع بشكل مستمر وماينتج عنها من تفكك اسري كلها عوامل ساعدت  في انتشار هذه الظاهرة  ومن جانب اخر اصبحت شكلا من اشكال الكسب المادي السهل والسريع والتي قد تديره عصابات منظمة مستغلة فئات المجتمع الضعيفة .

وهذا ايضا مااوضحه قانونيا المحامي محمود حسني حيث قال ان اغلب اطفال الشوراع (المتسولين ) يكون خلفهم جهات خارجة عن القانون وغيراخلاقية , لذلك يشير الى  قانون مكافحة الاتجار بالبشررقم (28) لسنة 2012 والذي حدد الافعال الذي يعاقب عليها هذا القانون في المادة (1) اولا (يقصد بالاتجار بالبشر لأغراض هذا القانون تجنيد اشخاص أو نقلهم أو ايوائهم أو استقبالهم , بوساطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو باعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية ) ويعاقب من يرتكب احدى هذه الافعال وفق المادة (5) من نفس القانون بالسجن المؤقت وبغرامة مالية حددها القانون ,وتكون العقوبة السجن المؤبد او غرامة مالية لا تقل عن خمسة وعشرين مليون دينار عراقي اذا ارتكتب احد افعال جريمة الاتجار بالبشر على من لم يبلغون سن الثامنة عشرة او اذا كانت انثى او من ذوي الاعاقة او اذا كان الجاني من اصول المجني عليه او ممن له الولاية عليه وتكون العقوبة اعدام اذا توفي المجني عليه نتيجة لهذا الفعل .

ويشير محمود ايضا الى قانون العقوبات العراقي حيث يقول ان المشرع العراقي يعاقب  على  التسول  باعتباره من الجرائم الأجتماعية ونص ذلك في القانون رقم 111 لسنة 1969 المعدل حيث تنص الفقرة الثانية من القانون على (اذا كان مرتكب هذه الافعال لم يتم الثامنة عشرة من عمره تطبق بشأنه احكام مسؤولية الاحداث في حال ارتكاب مخالفة ) حيث يودع الطفل للمحكمة بدلا من الحكم عليه وفق عقوبة المادة السابقة من نفس القانون والتي هي السجن لمدة لاتزيد عن شهر , وهذه الفقرة تأمر بايداعه مدة لا تزيد عن سنة في دار للتشغيل اذا كان قادرا على العمل او ايداعه في ملجئ او مؤسسة خيرية معترف بها اذا كان عاجزا عن العمل .


ماذا ينتج عن ظاهرة تسول الاطفال ؟

تقول ضي ان التسول افه اجتماعية منشترة في نطاق واسع ولها تداعيات خطيرة نحو الانحراف واهدار كرامة الانسان وتصاعد نسبة الاجرام فأن على المستوى الصحي تنتج هذه الظاهرة إصابة أطفال الشوارع بأمراض عديدة ؛ بسبب عدم حصولهم على الرعاية الصحية الكافية. وكذلك انتشار الجهل والتخلف والفقر وزيادة عدد الاميين، ووفقا لاحصائيات وزارة  التربية، فأن  نسبة  المتسربين  من الدراسة  بلغ  (6%) للعام 2018، وهي  نسبة مرتفعة تزامنت مع تدهور الوضع  الاقتصادي في البلد، واعتماد  الاسر على  ابنائها في توفير لقمة العيش.

 كما ان اطفال الشوارع هم اكثر عرضه لسوء المعاملة والتحرش والاتجار بالبشر وتجارة الاعضاء، واستغلالهم من كافة النواحي وايضا يسهل استغلالهم للانخراط في سلك الاجرام.

تشير الناشطة ضي على ان هنالك تحركات جيدة على المستوى العربي للحد من هذه الظاهرة , لكن على  الصعيد العراقي كان الموضوع اشبه بدراسة حالة مع وجود تغطيات اعلامية عكست خطورة الموضوع وتشابك الاطراف المسببه له ,اما  اكاديميا فقد غطت البحوث والدراسات هذه الظاهرة بشكل مستفيض ووضعت المقترحات والحلول الا انها بقيت حبرا على ورق , حيث لم يسمع من أي جهة صاحبة قرار تبني نتائج هذه الدراسات بشكل فعلي . مما يلحظ عدم اهتمام المسؤولين العراقيين من البرلمانيين وهيئه رعاية الطفل بمستقبل الطفولة .

وتؤكد على انه من الضروري وضع استراتيجية عمل وتحرك عاجل وجدي من الجهات المعنية كافة تشمل المؤوسسات والمنظمات الحكومية والغير حكومية  والجهات صاحبة العلاقة تبدأ من تفعيل قوانين حماية الاطفال وتجريم هذه الظاهرة لمن يمتهنها ويحاول استغلال الفئات الضعيفة وفرض عقوبات على اولياء الامور الذين يدفعون بصغارهم للعمل وايضا من ضروري توفير الدعم والتوعية عبر منصات الاعلام الرسمي والغير رسمي وبما ان الفقر هو اول اسباب هذه الظاهرة فلا بد من وضع خطط تنموية للاقتصاد وللفئات التي تعاني من تداعيات الحرمان والبطالة .


"تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".


ايوب صبري-بغداد 

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: