-->

جاسم السدر .......

ايوب صبري-بغداد 
وكالة نقطة ضوء الإخبارية. 
جاسم السدر* باحث واكاديمي.....

شخصية تحظى باحترام ديني وسياسي عالمي، تحط رحالها في العراق، الحدث الكبير، يتابعه العالم بشغف، الساسة ورجال الدين والإعلام ومراكز البحوث ومنظمات المجتمع المدني والواجهات الاجتماعية وغيرها، تسلط الأضواء على الزيارة ومساراتها،

مستشرفة الآفاق المستقبلية لها، وما سيتمخض عنها من برامج ، زيارة بابا الفاتيكان للعراق نقطة تحول، وفرصة كبرى لإعادة اكتشاف العالم لعمق حضارة العراق وتاريخه وتنوعه الثري من جديد أمام أنظار الذين يقلبون وجوههم من مواطنيه بحثاً عن مسارات السلم التي يأملون أن تفضي إلى مستقبل آخر، حج بابا الفاتيكان لأور مهد انطلاقة إبراهيم الأب الروحي للأديان السماوية، احتفاء بما تحمله من قيم دينية مشتركة ، واللقاءات المرتقبة مع مختلف الشخصيات الدينية والسياسية والشرائح الاجتماعية من شتى الاتجاهات، وتنوع جدول الزيارة بين بغداد وأور والنجف والموصل وأربيل يعيد للأذهان الجدل في الآخر في ظل التباس مفهومه في ذاكرة الأجيال المرهقة بتاريخ الصراعات الدينية القديمة ، ومحاولات إسقاطها مجدداً على الأحداث المعاصرة من دون تمييز بين محركات العالم القديم وتحول أشكال التنافس في عصرنا الراهن.

رؤية الذات عبر الآخر

أكثر من سبعة مليار إنسان يعيشون على ظهر المعمورة ، أديان وألسنة وألوان وجغرافيا متنوعة، الاعتراف والإقرار بتنوعهم والتعامل معهم حقوقياً لتحقيق المصالح المشتركة، من أعظم الاكتشافات الإنسانية التي ابتكرتها بعد مسيرة دامية من الكراهيات التي اعترفت بتداعياتها الخطيرة فقننت السلم والتعايش بديلاً آمنا للعيش معاً رغم الاختلاف عبر إدارته مؤسساتياً، فحازت المناعة ضد تكرار المآسي والكوارث، الانغلاق على الذات يحفز إمكاناتها الدفاعية ضد ما تتوهمه خطراً يهدد قراءاتها التاريخية وقناعاتها المريحة، جذره علة فكرية تستفز مشاعر الخوف على الهوية مما يحول دون رؤية الذات في مرآة الآخر تحفيزاً لإعادة اكتشافها ، وتنضيجا لقدراتها، وتحديداً لخياراتها المستقبلية، الآخر القابع في الذاكرة التاريخية يختلف كثيراً عن الآخر المعاصر الذي ولدته أرحام المراجعات والتقييم والنقد في مناخات عاصفة من التحولات الاقتصادية والسياسية التي لا نستصحبها بموضوعية ونحن نتحاور فيه، وبدل أن نفكر بعقلية رقمية في هموم متطلبات اللحظة وشروط المستقبل، تمطر غيوم الذاكرة تاريخاً، وترعد المشاعر قلقاً وتبرق الانفعالات خوفاً ، فتجهض الفرص بحبال من جدل.

كيف فعلها الآخر فنجا بعد قرون من محارق الهويات القاتلة؟ تخشى ذاتنا الاجتماعية طرح السؤال، خشية من فتح جروح التاريخ وجدله المكرر حول ضرورة التمسك اليقيني بالهوية التاريخية دون مراعاة للمتغيرات المعاصرة التي تحتم ادارتها مؤسساتياً اعتناق هوية مواطنية حقوقية تستوعب التنوع الهوياتي وتحترمه، فتقف مؤسسة الدولة القانونية تجاه تنوع مجتمعها محايدة دون تمييز يحفزه الإرث التاريخي للشرائح الاجتماعية أو الأفراد الذين يذهبون اليها باعتبارهم مواطنين لا رعايا ، وأفرادا يتمتعون بحقوقهم الدستورية لا مكونات تتنازع على الفتات، بعد أن منحتهم فضاءات حوار ألهمتهم برمجة سلمهم وتعزيز تعايشهم ليواجهوا معاً منصات التطرّف العنيف وبيئات صناعة الكراهيات القاتلة، بعد أن ميزوا بين المسارات الدينية والسياسية فاخترعوا المواطنية بديلاً آمناً.

إمكانات النجاح

نجح الآخر حين خرج من متاهة صراع الهويات الى فضاء ابتكار هوية مركبة تستوعب تنوعه، فوظف جامعاته لابتكار رؤى الاستقرار والتنمية ، بعد أن صمم شكل دولة تحترم الحريات وتبرمج السياسة وفق أولويات مواطنيه، الآخر محفز على اكتشاف الذات من خلال قراءة تجاربه وتحولاته الكبرى بمختبرات البحث والحوار لتصميم ستراتيجيات المستقبل المشترك المستوعب للتنوع عبر ترويض جموح صراع الهويات مؤسساتيا وعقلنة الانفعالات وردود الأفعال بحثيا، وتجذير مفاهيم التنوع مناهجيا لغرسه في عقول وأرواح الأجيال، وتسويقها إعلامياً، واستثمار الخطاب الديني لدعمها بما ينسجم مع تنمية قيمه الدينية من جهة و الاستجابة لمتطلبات العصر من جهة أخرى.

عاشت مجتمعاتنا عقوداً دامية من الصراعات بددت ثرواتها وسفحت أحلام أجيالها ، فشلت إداراتها المستبدة المتعاقبة في بناء نماذج تستوعب تنوعها وتطلق امكانات انسانها لبناء دولة المواطنة والتنمية، مما عزز جاهزيتها لتجربة فكر ملهم جديد تنبثق عنه رؤية مستقبلية أخرى وبرنامج مؤسساتي مختلف تحلم الأجيال أن تسهم بتشييد معماره، أرضيته تنوع الموارد وأعمدته الثروة الشبابية وسقفه مظلة المواطنة القانونية الجامعة، إمكانات نجاح تنتظر إدارة تستثمرها لبناء وطن حجر زاويته مواطن.

الفرص المستقبلية

في ظل نشوب مخالب اليأس في أرواح مجتمعاتنا، وتداول مفردات الإحباط في حواراتنا، يعد الحديث عن الإمكانات والفرص المستقبلية ترفاً وبطراً لا يسكن إلا في خيال حالم، من رحم التحديات تولد أجنة الفرص ، ومن خلف ضباب المستحيل ستشرق شمس الممكن، مما يستدعي الحوار والتفاكر في مجموعة من الفرص المستقبلية التي يمكن استثمارها في بناء ذاتنا المجتمعية، ومنها:

-مجتمعياً: تقنين الرغبة المجتمعية العارمة في تعزيز السلام عبر ابتكار رؤى وبرامج مواطنية تحتضن التنوع وتطلق ممكنات الإنسان في فضاءات آمنة ومستقرة تحفظ كرامته وحريته.

- اقتصادياً: التخطيط لتنويع الموارد عبر استثمار الزيارة البابوية كفرصة لإطلاق مشاريع اقتصادية وسياحية من خلال اعتماد ستراتيجيات تحفز القطاع الخاص لتبني مشاريع تستوعب الطاقات الشبابية.

- برامجياً: جدولة الحوارات النخبوية والمجتمعية والسياسية وفق متطلبات الأولويات الراهنة، والفطام عن استنزاف الطاقات والأوقات في قضايا أصبحت في ذمة التاريخ.

- مؤسساتياً : اعتماد المؤسساتية في برمجة القيم المجتمعية عبر معادلات رقمية تتخد من المسارات المتكاملة ستراتيجية في معالجة الأزمات عبر جدولة الأزمات في حزم ثلاثية حسب أهميتها وراهنيتها الملحة، وأهمها اليوم وفق المؤشرات أزمات الصحة و الاقتصاد والأمن وتثوير الإمكانات لمواجهتها مختبرياً وتنموياً وأمنياً.

للآخر تجربة طويلة جديرة بالقراءة واستخلاص الدروس، خرج منها أقوى مناعة ضد الاستبداد، فأسس مجتمعاته ففاضت بيئاتهم أنهار استقرار وتنمية، أحسنوا الإصغاء لعقلائهم حين هتفوا فيهم:(حينما توجد الخصومة ، علينا أن نشيع الوئام، وحينما ينتابنا اليأس، علينا أن نزرع الأمل) العبارة التي شدا بها لهم رسل السلام، وبناة الأمم، الحالمون بالمستقبل المشترك، كلما يأست مجتمعاتهم من عبور راهنهم الخانق، بثوا فيهم من مناجم أرواحهم طاقة تلهمهم أن بامكانهم أن يفعلوها، شخصوا بمخبترات العلم عللهم المجتمعية بمباضع الجراحين، وصمموا مناهج حياة تستوعب تنوعهم، سلطوا أضواء الفاعلية على امكاناتهم فاستثمروها، حولوا أزماتهم لفرص، وحقنوا مجتمعاتهم بالمناعات المؤسساتية، تحاوروا بموضوعية في الفرص المستقبلية فبرمجوها عبر ادارات استثنائية، تعاملوا مع الماضي بوعي، ومع المستقبل كتحد يحتم الاستجابات الذكية، الآخر مرآة الذات، تشرق أمام وهج الأفكار الملهمة الدافعة، أو تعتم في مناخات القلق والانكفاء.


شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: